الأحد، 24 يوليو 2011

الإستعاذة كما أوصانا صلى الله عليه وسلم

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو :

اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ , وَمن عَذَابِ النَّارِ , وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ,

وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ .

وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ : إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ , يَقُولُ :

اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ . ثم ذَكّر نحوه .

في الحديث مسائل :


1= أهمية هذه الأربع والاستعاذة منها : عذاب القبر ، وعذاب النار ، وفتنة المحيا ،

وفتنة الممات ، وفتنة الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ .


2= إثبات عذاب القبر ، وقد أنكره بعض المعتزلة من نحا نحوهم وسار بِسيرهم ،

وعذاب القبر حق .

قال ابن دقيق العيد : فِي الْحَدِيثِ إثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ . وَهُوَ مُتَكَرِّرٌ مُسْتَفِيضٌ فِي

الرِّوَايَاتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ .

وقد تقدّم التفصيل في هذه المسألة في شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما ،

وهو الحديث الثامن عشر .


3= إثبات فتنة المسيح الدجال ، وأنه أعظم فتنة ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة ،

لِما أعطاه الله ومكّنه مما فيه فتنة . وقد أنكره قوم ، وتأوّله آخرون !


فقد تأوّل بعض المعاصرين أن المقصود به : الحضارة الغربية ،

أو اعوجاج الضمير اليهودي !


وهذا تأويل مرفوض ، إذ كيف يُتصوّر أن يستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم من


المسيح الدجال ، ويأمر أصحابه بالاستعاذة منه ، ويُخبر بمكانه ، وبما معه ،


وجهة خُروجه ، وأنه يَخرج من جهة المشرق ، وأنه يَتبعه سبعون ألف من


يهود أصبهان ، كما في صحيح مسلم ، وأصبهان اليوم في إيران !


ثم يُتأوّل بعد ذلك هذا التأويل الفاسد ؟!


وقد أخبر تميم الداري النبي صلى الله عليه وسلم بما رأى من الدجّال ،


فصدّقه النبي صلى الله عليه وسلم ، وذَكَر عليه الصلاة والسلام أنه وافق الذي


حدّثهم عن الدجال ، والحديث بِطوله في صحيح مسلم .


4= معنى فتنة المحيا :


قال ابن دقيق العيد : مَا يَتَعَرَّضُ لَهُ الإِنْسَانُ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ مِنْ الافْتِتَانِ بِالدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ


وَالْجَهَالاتِ ، وَأَشَدُّهَا وَأَعْظَمُهَا - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى : أَمْرُ

الْخَاتِمَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ .


5= معنى فتنة الممات :


قال ابن دقيق العيد : يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْفِتْنَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ . أُضِيفَتْ إلَى الْمَوْتِ


لِقُرْبِهَا مِنْهُ . اهـ . وفُسِّرتْ فتنة الممات بأنها فتنة القبر .


وكان ابن أبي مليكة يقول : اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا ،


أو نفتن عن ديننا . رواه البخاري ومسلم .


وكان سلف هذه الأمة يخافون على أنفسهم من فتنة المحيا ومن فتنة الممات


وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول : وما يؤمنني وإبليس حَـيّ ؟!


قال جبير بن نفير : دخلت على أبي الدرداء مَنْزِله بحمص فإذا هو قائم يصلي في


مسجده ، فلما جلس يتشهد جعل يتعوذ بالله من النفاق ، فلما انصرف ، قلت :


غفر الله لك يا أبا الدرداء ! ما أنت والنفاق ؟ قال : اللهم غفرا - ثلاثا - من يأمن


البلاء ؟ من يأمن البلاء ؟ والله إن الرجل ليفتتن في ساعة فينقلب عن دينه .


وقد ورد أن الشيطان تمثّل لبعض الصالحين عند الموت .


قال صالح بن أحمد بن حنبل : لما حضرت أبي الوفاة فجلست عنده والخرقة بيدي


أشدّ بها لحيته . قال : فجعل يغرق ثم يفيق ويفتح عينيه ويقول بيده هكذا : لا بعد .


لا بعد . لا بعد . ففعل هذا مرة وثانية ، فلما كان في الثالثة قلت له : يا أبتِ إيش هذا


الذي لهجت به في هذا الوقت ؟ فقال : يا بني أما تدري ؟ قلت : لا . فقال : إبليس لعنه


الله قائم بحذائي عاضّ على أنامله يقول : يا أحمد فتني ! فأقول : لا ، حتى أموت .


وقال عطاء بن يسار : تبدّى إبليس لرجل عند الموت فقال : نجوت ! فقال :


ما نجوت ، وما أمنتك بعد .


ففتنة المحيا هي ما يكون في الحياة من الردّة – عياذاً بالله – أو ما يكون من


الضلال بعد الهدى ، والمعصية بعد الطاعة .


وفتنة الممات شاملة لفتنة الاحتضار ، وحضور الشيطان عند الميت ،


ولفتنة القبر وسؤاله .


6= استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم مع عصمته منها :


قال القاضي عياض رحمه الله تعالى : ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم


واستعاذته من هذه الأمور التي قد عُوفي منها وعُصم إنما فعله ليلتزم خوف


الله تعالى وإعظامه والافتقار إليه ، ولتقتدي به أمته ، وليبين لهم صفة الدعاء


والمهم منه . ذَكَرَه النووي . وكذا قال الحافظ العراقي في طرح التثريب :


اسْتِعَاذَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ مَعَ أَنَّهُ مُعَاذٌ مِنْهَا قَطْعًا فَائِدَتُهُ


إظْهَارُ الْخُضُوعِ وَالاسْتِكَانَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ وَالافْتِقَارِ ، وَلِيَقْتَدِيَ بِهِ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ ،


وَيُشَرِّعَ لأُمَّتِهِ . اهـ .


7= حُكم الاستعاذة من هذه الأربع في الصلاة :


قال الإمام النووي : قوله : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُعلّمهم هذا الدعاء


كما يعلمهم السورة من القرآن ، وأن طاوساً رحمه الله تعالى أمر ابنه حين لم يَدْعُ بهذا


الدعاء فيها بإعادة الصلاة ؛ هذا كله يدل على تأكيد هذا الدعاء والتعوذ والحثّ الشديد


عليه ، وظاهر كلام طاوس رحمه الله تعالى أنه حَمَل الأمر به على الوجوب ، فأوجب


إعادة الصلاة لفواته ، وجمهور العلماء على أنه مستحب ليس بواجب ، ولعل طاوس


أراد تأديب ابنه وتأكيد هذا الدعاء عنده لا أنه يعتقد وجوبه ، والله أعلم .



قال العراقي :وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ


تَغْلِيظًا عَلَيْهِ لِئَلا يَتَهَاوَنَ بِتِلْكَ الدَّعَوَاتِ فَيَتْرُكَهَا فَيُحْرَمَ فَائِدَتَهَا وَثَوَابَهَا . اهـ .


8= مكان الاستعاذة :


في التشهد الأخير بعد التحيات والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .


قال الحافظ العراقي : فِيهِ اسْتِحْبَابُ الإِتْيَانِ بِهَذَا الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ ،


وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ .


وقال : وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ وُجُوبِ ذَلِكَ عَقِبَ التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ ،


ثُمَّ إنَّهُ تَرُدُّهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا مِنْ عِنْدِ مُسْلِمٍ الَّتِي فِيهَا تَقْيِيدُ التَّشَهُّدِ بِالأَخِيرِ ،


فَوَجَبَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، لا سِيَّمَا وَالْحَدِيثُ وَاحِدٌ مَدَارُهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .


9= ورَدَتْ الاستعاذة في آخر الصلاة من غير هذه الأربع ،


فمن ذلك استعاذته صلى الله عليه وسلم من المأثم ومِن المغرم .


ففي حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو


في الصلاة : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال


، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات ، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم .


فقال له قائل : ما أكثر ما تستعيذ من المغرم . فقال : إن الرجل إذا غَرِمَ حَدَّث فكذَب ،


ووعد فأخلف . رواه البخاري ومسلم .


وهذا من باب الاستعاذة مما يُورِث النفاق العملي ، وهو الكذب وإخلاف الوعد .


والله تعالى أعلم .


الشيخ : عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق